فصل: تفسير الآيات (39- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (39- 40):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أََعَمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بقِيعَةٍ} أما السراب فهو الذي يخيل لمن رآه في الفلاة كأنه الماء الجاري قال الشاعر:
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُهُمْ ** كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق

والآل كالسراب إلا أنه يرتفع عن الأرض في وقت الضحى حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء، وقيل: إن السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال والرقراق بعد العصر وأما القيعة فجمع قاع مثل جيرة وجار، والقاع ما انبسط من الأرض واستوى.
{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يعني العطشان يحسب السراب ماءً.
{حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} وهذا مثل ضربه الله للكافر يعول على ثواب عمله فإذا قدم على الله وجد ثواب عمله بالكفر حابطاً.
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: وجد أمر الله عند حشره.
الثاني: وجد الله عند عرضه.
{فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره.
والثاني: وجد الله عند وعيده فوفى بعذابه ويكون الحساب على الوجهين معاً محمولاً على العمل، كما قال امرؤ القيس:
فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ ** أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا

{وَاللَّهُ سَرِيع الْحِسَابِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لأن حسابه آت وكل آت سريع.
الثاني: لأنه يحاسب جميع الخلق في وقت سريع.
قيل إن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإِسلام.
قوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} الظلمات: ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
وفي قوله لجيّ ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه البحر الواسع الذي لا يرى ساحله، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أنه البحر الكثير الموج، قاله الكلبي.
الثالث: أنه البحر العميق، وهذا قول قتادة، ولجة البحر وسطه، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ رَكِبَ البَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» يعني إذا توسطه.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يغشاه موج من فوق الموج ريح، من فوق الريح سحاب فيجمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب.
الثاني: معناه يغشاه موج من بعده فيكون المعنى الموج بعضه يتبع بعضاً حتى كأنه بعضه فوق بعض وهذا أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب، ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين:
أحدهما: أنه قد يغطي النجوم التي يهتدى بها.
الثاني: الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه.
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد الظلمات التي بدأ بذكرها وهي ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
الثاني: يعني بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض.
{إِذَا أخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} فيه وجهان:
أحدهما: معناه أنه رآها بعد أن كاد لا يراها، حكاه ابن عيسى.
الثاني: لم يرها ولم يكد، قاله الزجاج، وهو معنى قول الحسن.
وفي قوله لم يكد وجهان:
أحدهما: لم يطمع أن يراها.
الثاني: لم يرها ويكاد صلة زائدة في الكلام.
{ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهَ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} فيه وجهان:
أحدهما: ومن لم يجعل الله له سبيلاً إلى النجاة في الآخرة فما له من سبيل إليها حكاه ابن عيسى.
الثاني: ومن لم يهده الله للإِسلام لم يهتد إليه، قاله الزجاج.
وقال بعض أصحاب الخواطر وجهاً ثالثاً: ومن لم يجعل الله نوراً له في وقت القسمة فما له من نور في وقت الخلقة.
ويحتمل رابعاً: ومن لم يجعل الله له قبولاً في القلوب لم تقبله القلوب.
وهذا المثل ضربه الله للكافر، فالظمات ظلمة الشرك وظلمة الليل وظلمة المعاصي، والبحر اللجي قلب الكافر، يغشاه من فوقه عذاب الدنيا، فوقه عذاب الآخرة.

.تفسير الآيات (41- 42):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}
قوله تعالى: {وَالطَّيْرُ صَآفَاتٍ} أي مصطفة الأجنحة في الهواء.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الصلاة للإِنسان والتسبيح لما سواه من سائر الخلق، قاله مجاهد.
الثاني: أن هذا في الطير وإن ضرب أجنحتها صلاة وأن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش.
الثالث: أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، قاله سفيان. ثم فيه قولان:
أحدهما: أن كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه.
الثاني: أن الله قد علم صلاته وتسبيحه.

.تفسير الآيات (43- 44):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)}
قوله تعالى: {يُزْجِي سَحَاباً} فيه وجهان:
أحدهما: ينزله قليلاً بعد قليل، ومنه البضاعة المزجاة لقلتها.
الثاني: أنه يسوقه إلى حيث شاء ومنه زجا الخراج إذا انساق إلى أهله قال النابغة:
إِنِّي أتَيْتُكَ من أَهْلِي ومنْ وَطَنِي ** أُزْجِي حُشَاشَةَ نَفْسٍ ما بِها رَمَقٌ

{ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي يجمعه ثم يفرقه عند انتشائه ليقوى ويتصل.
{ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} أي يركب بعضه بعضاً.
{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الودق البرق يخرج من خلال السحاب قال الشاعر:
أثرن عجاجة وخرجن منها ** خروج الودق من خلَلَ السحاب

وهذا قول أبي الأشهب.
الثاني: أنه المطر يخرج من خلال السحاب، وهو قول الجمهور، ومنه قول الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل أبقالها

{وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في السماء جبال برد فينزل من تلك الجبال ما يشاء فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.
الثاني: أنه ينزل من السماء برداً يكون كالجبال.
الثالث: أن السماء السحاب، سماه لعلوه، والجبال صفة السحاب أيضاً سمي جبالاً لعِظمه فينزل منه برداً يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فتكون إصابته نقمة وصرفه نعمة.
{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: صوت برقه.
الثاني: ضوء برقه، قاله يحيى بن سلام ومنه قول الشماخ.
وما كادت إذا رفعت سناها ** ليبصر ضوءها إلاّ البصير

الثالث: لمعان برقه، قاله قتادة والصوت حادث عن اللمعان كما قال امرؤ القيس:
يضي سناه أو مصابيح راهب ** أمال السليط بالذبال المفتل

فيكون البرق دليلاً على تكاثف السحاب، ونذيراً بقوة المطر، ومحذراً من نزول الصواعق.
قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ} فيه ثلاث أوجه:
أحدها: هو أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في الليل، حكاه يحيى بن سلام.
الثالث: أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغير الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة، حكاه النقاش.
ويحتمل رابعاً: أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر.

.تفسير الآيات (45- 46):

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}
قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبّةٍ مِّن مَّاءٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن أصل الخلق من ماء ثم قلب إلى النار فخلق منها الجن، وإلى النور فخلق منها الملائكة، وإلى الطين فخلق منه من خلق وما خلق، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أنه خالق كل دابة من ماء النطفة، قاله السدي.
{فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحية والحوت.
{وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رَجْلَينِ} الإِنسان والطير.
{وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كالمواشي والخيل، ولم يذكر ما يمشي، ولم يذكر ما يمشى على أكثر من أربع لأنه كالذي يمشي على أربع لأنه يعتمد في المشي على أربع.

.تفسير الآيات (47- 52):

{وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ} هذه الآية نزلت في بشر، رجلٌ من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف لأن الحق إذا كان متوجهاً على المنافق إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسقط عنه، وإذا كان له حاكم إليه ليستوفيه منه فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: إنها نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية كان بينه وبين علي كرم الله وجهه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم علياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه يبغضني، فنزلت هذه الآية.
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} فيه أربعة أوجه:
أحدهما: طائعين، حكاه ابن عيسى.
الثاني: خاضعين، حكاه النقاش.
الثالث: مسرعين، قاله مجاهد.
الرابع: مقرنين، قاله الأخفش وفيها دليل على أن من دعي إلى حاكم فعليه الإِجابة ويحرج إن تأخر.
وقد روى أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دُعِيَ إِلَى حَاكِمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لاَ حَقَّ لَهُ». ثم قال: {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيه قولان:
أحدهما: شرك، قاله الحسن.
الثاني: نفاق، قاله قتادة.
{أَمِ ارْتَابُواْ} أي شكوا ويحتمل وجهين:
أحدهما: في عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في نبوته.